Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة البقرة - الآية 8

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) (البقرة) mp3
النِّفَاق هُوَ إِظْهَار الْخَيْر وَإِسْرَار الشَّرّ وَهُوَ أَنْوَاع : اِعْتِقَادِيّ وَهُوَ الَّذِي يَخْلُد صَاحِبه فِي النَّار وَعَمَلِيّ وَهُوَ مِنْ أَكْبَر الذُّنُوب كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيله فِي مَوْضِعه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى وَهَذَا كَمَا قَالَ اِبْن جُرَيْج : الْمُنَافِق يُخَالِف قَوْلُهُ فِعْلَهُ وَسِرُّهُ عَلَانِيَتَهُ وَمَدْخَلُهُ مَخْرَجَهُ وَمَشْهَدُهُ مَغِيبَهُ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ صِفَات الْمُنَافِقِينَ فِي السُّوَر الْمَدَنِيَّة لِأَنَّ مَكَّة لَمْ يَكُنْ فِيهَا نِفَاق بَلْ كَانَ خِلَافه مِنْ النَّاس مَنْ كَانَ يُظْهِر الْكُفْر مُسْتَكْرَهًا وَهُوَ فِي الْبَاطِن مُؤْمِن فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَ بِهَا الْأَنْصَار مِنْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج وَكَانُوا فِي جَاهِلِيَّتهمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَام عَلَى طَرِيقَة مُشْرِكِي الْعَرَب وَبِهَا الْيَهُود مِنْ أَهْل الْكِتَاب عَلَى طَرِيقَة أَسْلَافهمْ وَكَانُوا ثَلَاث قَبَائِل بَنُو قَيْنُقَاع حُلَفَاء الْخَزْرَج وَبَنُو النَّضِير وَبَنُو قُرَيْظَة حُلَفَاء الْأَوْس فَلَمَّا قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة وَأَسْلَمَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْأَنْصَار مِنْ قَبِيلَتَيْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج وَقَلَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْيَهُود إِلَّا عَبْد اللَّه بْن سَلَام رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَلَمْ يَكُنْ إِذْ ذَاكَ نِفَاق أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ بَعْد شَوْكَة تَخَاف بَلْ قَدْ كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَادَعَ الْيَهُود وَقَبَائِل كَثِيرَة مِنْ أَحْيَاء الْعَرَب حَوَالَيْ الْمَدِينَة فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَة بَدْر الْعُظْمَى وَأَظْهَرَ اللَّهُ كَلِمَتَهُ وَأَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ قَالَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ بْن سَلُول وَكَانَ رَأْسًا فِي الْمَدِينَة وَهُوَ مِنْ الْخَزْرَج وَكَانَ سَيِّد الطَّائِفَتَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَانُوا قَدْ عَزَمُوا عَلَى أَنْ يُمَلِّكُوهُ عَلَيْهِمْ فَجَاءَهُمْ الْخَيْر وَأَسْلَمُوا وَاشْتَغَلُوا عَنْهُ فَبَقِيَ فِي نَفْسه مِنْ الْإِسْلَام وَأَهْله فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَة بَدْر قَالَ هَذَا أَمْر قَدْ تَوَجَّهَ فَأَظْهَرَ الدُّخُول فِي الْإِسْلَام وَدَخَلَ مَعَهُ طَوَائِف مِمَّنْ هُوَ عَلَى طَرِيقَته وَنِحْلَته وَآخَرُونَ مِنْ أَهْل الْكِتَاب فَمِنْ ثَمَّ وُجِدَ النِّفَاق فِي أَهْل الْمَدِينَة وَمَنْ حَوْلهَا مِنْ الْأَعْرَاب فَأَمَّا الْمُهَاجِرُونَ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَد يُهَاجِر مُكْرَهًا بَلْ يُهَاجِر فَيَتْرُك مَاله وَوَلَده وَأَرْضه رَغْبَة فِيمَا عِنْد اللَّه فِي الدَّار الْآخِرَة . قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد عَنْ عِكْرِمَة أَوْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس " وَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول آمَنَّا بِاَللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِر وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ" يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج وَمَنْ كَانَ عَلَى أَمْرهمْ وَكَذَا فَسَّرَهَا بِالْمُنَافِقِينَ مِنْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج أَبُو الْعَالِيَة وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ وَلِهَذَا نَبَّهَ اللَّه سُبْحَانه عَلَى صِفَات الْمُنَافِقِينَ لِئَلَّا يَغْتَرّ بِظَاهِرِ أَمْرهمْ الْمُؤْمِنُونَ فَيَقَع لِذَلِكَ فَسَادٌ عَرِيضٌ مِنْ عَدَم الِاحْتِرَاز مِنْهُمْ وَمِنْ اِعْتِقَاد إِيمَانهمْ وَهُمْ كُفَّار فِي نَفْس الْأَمْر وَهَذَا مِنْ الْمَحْذُورَات الْكِبَار أَنْ يَظُنّ لِأَهْلِ الْقُبُور خَيْر فَقَالَ تَعَالَى " وَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاَللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِر وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ" أَيْ يَقُولُونَ ذَلِكَ قَوْلًا لَيْسَ وَرَاءَهُمْ شَيْء آخَر كَمَا قَالَ تَعَالَى " إِذَا جَاءَك الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَد إِنَّك لَرَسُول اللَّه وَاَللَّه يَعْلَم إِنَّك لَرَسُوله " أَيْ إِنَّمَا يَقُولُونَ ذَلِكَ إِذَا جَاءُوك فَقَطْ لَا فِي نَفْس الْأَمْر وَلِهَذَا يُؤَكِّدُونَ الشَّهَادَة بِأَنَّ وَلَام التَّأْكِيد فِي خَبَرهَا . أَكَّدُوا أَمْرهمْ قَالُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِر وَلَيْسَ الْأَمْر كَذَلِكَ كَمَا كَذَّبَهُمْ اللَّه فِي شَهَادَتهمْ وَفِي خَبَرهمْ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى اِعْتِقَادهمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى " وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ" وَبِقَوْلِهِ " وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ " .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • مختصر عقيدة أهل السنة والجماعة [ المفهوم والخصائص ]

    بيان مفهوم عقيدة أهل السنة والجماعة وخصائصها.

    الناشر: موقع دعوة الإسلام http://www.toislam.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/172692

    التحميل:

  • من الأحكام الفقهية في الطهارة والصلاة والجنائز

    من الأحكام الفقهية في الطهارة والصلاة والجنائز: فإن العبادة لا تتم ولا تُقبل حتى تكون مبنيةً على أمرين أساسيين، وهما: الإخلاص لله - عز وجل -، والمتابعة لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولذا كان من من المهم جدًّا أن يحرِص المرء على أن تكون عباداته كلها مبنيةً على الدليل من الكتاب والسنة؛ ليكون مُتعبِّدً لله تعالى على بصيرةٍ. وفي هذه الرسالة القيمة تم جمع بعض ما تيسَّرت كتابته مختصرًا من الأحكام الفقهية في أبواب الطهارة والصلاة والجنائز، مُعتمدًا فيه على ما جاء في كتاب الله تعالى أو صحَّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

    الناشر: موقع الشيخ محمد بن صالح العثيمين http://www.ibnothaimeen.com - موقع الإسلام http://www.al-islam.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/144942

    التحميل:

  • النافلة في الأحاديث الموضوعة والباطلة

    النافلة في الأحاديث الموضوعة والباطلة: قال المؤلف: «هو عبارة عن أحاديث مختلفات في معناها ومرامها، كنت أُسأل عنها، فأضطر إلى تحقيق القول فيها، فإن كان صحيحًا أو ضعيفًا احتفظت به في (مضبطة) عندي. ثم راودتني نفسي أن أجمع الضعيف وحده. فصرت كلما حققت حديثًا ألحقته بما سبق لي تحقيقه، وجعلت ألحق ما أجده من زيادات مناسبة، فأضعها في موضعها حتى تجمع لديَّ - وقتها - أكثر من خمسمائة حديث، كنت أتوخى أن لا يكون قد سبقني إليها شيخنا، حافظ الوقت ناصر الدين الألباني في كتابه (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة)».

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/2096

    التحميل:

  • التحفة السنية في الفوائد والقواعد الفقهية

    التحفة السنية في الفوائد والقواعد الفقهية : قال المؤلف - رحمه الله -: فقد كثر التسأول من طلبة العلم المعاصرين عن مصطلحات وتعريفات الفقهاء، في مذهب الإمام المبجل: أحمد بن محمد بن حنبل، ومما يطلقه الأصحاب في قولهم هذا الحكم، أو هذه المسألة من رواية الجماعة وما يطلقونه على المذهب عند المتقدمين والمتوسطين والمتأخرين. وحيث إن غالب هذه التعريفات والمصطلحات، وتنويع المذاهب، لا توجد إلا في الكتب الكبار ولاسيما المختصة بالأصول، وقد لا يهتدي الطالب إلى مكانها، ولا يستطيع استخراجها، وبالتالي معرفتها، ولأني لم أقف على رسالة خاصة في هذا الشأن أحببت أن أجمع ذلك، وأوضحه باختصار، فائدةً للطالب المبتدئ، وتذكرة للعالم المنتهي- وسأذكر من أعيان أصحابنا من اشتهر بالتصنيف، أو له قول، أو رأي في المذهب توبع عليه، سواء أكان متقدمًا، أو متوسطًا، أو متأخرًا، مع ذكر الوفاة.

    الناشر: موقع الكتيبات الإسلامية http://www.ktibat.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/265568

    التحميل:

  • فقه الواقع

    فقه الواقع: فإن المتأمل في واقع الأمة الإسلامية في العصور المتأخرة يتألَّم لما آلَت إليه الحال، وما وصلت إليه من مستوى يندَى له الجبين، وقد قلَّبتُ النظر في هذا الواقع متلمِّسًا الأسباب، وباحثًا عن سُبل العلاج، محاولاً المساهمة في الخروج من هذا الوضع إلى المكانة التي تليق بنا، نصحًا للأمة، وإبراءً للذمة. ونجِد الشيخ - حفظه الله - في هذا المُؤلَّف قد أصَّل لهذا الموضوع وبيَّنه بيانًا شافيًا.

    الناشر: موقع المسلم http://www.almoslim.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/337577

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة